القرآن الكريم المصحف الإلكتروني إذاعات القرآن صوتيات القرآن أوقات الصلاة فهرس الموقع

حقُّ الأبناءِ

من حقِّ الولدِ على والده، أن يُؤدِّبَه، ويُعَلِّمَه، ويَنصحَ له، وأن يُحسِن إليه، ويَعطف عليه، وأن يعدل بين الأولادِ في العطيَّةِ والهِبَةِ، ولا يُفرِّق بينهم في عطاء[[١]].

[١] قد يحصل نوع تفريق في العطاء بين الأولاد بسبب اختلاف حاجياتهم؛ فهذا لا حرج فيه إن شاء الله، أما عطاء الهبة؛ فيجب التسوية فيه بين الأبناء والبنات، فإن عجز عن إهداء الجميع، ورغب في إهداء أحدهم أو بعضهم دون البعض الآخر؛ فلا بد له من أن يستأذن ويستسمح ممن حرمهم، والله تعالى أعلم.

قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} طه:١٣٢.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} التحريم:٦.

قال تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} الشعراء:٢١٤.

قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} لقمان:١٣، ١٦-١٩.

عن ابن عمر "رضي الله عنه"، قال: سمعتُ رسولَ الله "صلى الله عليه وسلم" يقول: «كُلُّكُم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيته؛ الإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّتِه، والرَّجلُ راعٍ في أهلِه ومسؤولٌ عن رعيته، والمرأةُ راعيةٌ في بيتِ زوجِها ومسؤولة عن رعيتها، والخادمُ راعٍ في مالِ سيِّده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيَّتِه»[[١]]. متفق عليه.

[١] المراد من الرعاية هنا الرعاية العامة الشاملة للجانب المادي والمعنوي سواء؛ والذي منه التربية والتعليم، وحسن التأديب.

عن ابن عمرو "رضي الله عنه"، قال: قال رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم": «كفَى بالمرءِ إثماً أن يُضيِّعَ من يقوت»[[٢]].

رواه أحمد، وأبو داود، والحاكم، صحيح الجامع: ٢٧٣

[٢] أي من يُعيل من الأهل والأولاد .. ومن الضياع الذي يشمله الحديث إلى جانب ضياع المؤنة والإنفاق: أن يضيَّعهم في دينهم وأخلاقهم؛ فلا يؤدبهم ولا يفقههم في الدين، ولا يهتم لحالهم سواء عبدوا الله تعالى أم عبدوا الطاغوت!!

من حقّ الولدِ على أبيه أن يَختارَ له الأمَّ الصالحة؛ ذات الدين والخُلُق الحسَن[[١]].

[١] كم من أبٍ عاش أمل أن يربي أولاده التربية الإسلامية الصالحة، فخاب أملُه لسوء اختياره للزوجة! 

عن أبي هريرة "رضي الله عنه"، عن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: «تُنكَحُ المرأةُ لأربع: لمالِها، ولحسَبِها، وجمالِها، ولدينها، فاظفَرْ بذاتِ الدين تربت يداك»[[٢]]. متفق عليه.

[٢] أي فقرت يداك إن لم تظفر بذات الدين.

وعن عبد الله بن عمر "رضي الله عنه"، أن رسولَ الله "صلى الله عليه وسلم" قال: «الدُّنيا متاعٌ وخيرُ متاعِ الدنيا المرأةُ الصالحة». مسلم.

وعن عائشة "رضي الله عنها"، قالت: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": «تخيَّروا لِنُطَفِكُم، فأنكحوا الأكفاءَ، وأَنكِحوا إليهم»[[٣]].

[٣] رواه ابن ماجه، والحاكم، والبيهقي، صحيح الجامع: ٢٩٢٨.

وعن عمر "رضي الله عنه"، قال: يا رسولَ الله أيُّ المالِ نتخذ؟ فقال: «ليتخذَ أحدُكم قَلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجةً مؤمنةً تُعين أحدَكُم على أمرِ الآخرة»[[٤]].

[٤] صحيح سنن ابن ماجه: ١٥٠٥.

ومن حَقِّهِ على أبيه كذلك أن يُسمي بالله، ويَستعيذَ بالله من الشيطان الرجيم قبلَ مُباشَرَةِ الجماعِ.

عن ابن عباس "رضي الله عنه"، قال: قال النبي "صلى الله عليه وسلم": «أما لو أنَّ أحدَهم يقولُ حينَ يأتي أهلَه: بِسمِ الله، اللهمَّ جَنِّبني الشيطانَ، وجنِّبِ الشيطانَ ما رزَقتَنا، ثم قُدِّرَ بينهما في ذلك، أو قُضيَ ولدٌ، لم يضرَّهُ شيطانٌ أبداً». متفق عليه.

ومن حقِّه أن لا يُغذي والدُه أمَّه بالحرام وهي حاملةٌ به[[١]].

[١] الولد من كسب أبيه، وثمرة من ثماره؛ فإن أراد أن يُبارك الله بولده فاليجنبه المال الحرام، ولا يغذه إلا من مال حلال، سواء وهو في بطن أمه، أم بعد الولادة .. فالجسد الذي ينمو بالحرام لا يُبارك الله فيه.

عن جابرٍ "رضي الله عنه"، قال: قال رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم": «لا يدخلُ الجنَّةَ لحمٌ نَبتَ من السُّحتِ، وكلُّ لحم نبتَ من السُّحتِ كانت النارُ أولى به»[[٢]].

[٢] أخرجه أحمد، والدارمي، والبيهقي في شعب الإيمان، مشكاة المصابيح: ٢٧٧٢. والسحت: هو كل كسب أو مال حرام.

وعن أبي هريرة "رضي الله عنه"، قال: قال رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم": «إن اللهَ طيبٌ لا يقبلُ إلا طيباً، وإن الله أمرَ المؤمنين بما أمرَ به المرسلين: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً}، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، ثم ذَكرَ الرجلَ يُطيلُ السَّفرَ؛ أشْعَثَ أغبرَ، يَمدُّ يدَيه إلى السماءِ: يا ربِّ! يا رب! ومَطعمُه حرامٌ، ومشرَبُه حرامٌ، وملبَسُهُ حرامٌ، وغُذِّيَ بالحرامِ، فأنَّى يُستجابُ لذلك؟!»[[٣]]. مسلم.

[٣] دل الحديث أن من موانع قبول الدعاء أن يكون مطعم المرء، ومشربه، وملبسه من حرام، أو أن يكون جسده قد غُذِّي من سحت أو حرام .. وما أكثر  الذين لا يُراعون ذلك في أنفسهم وكسبهم .. ثم تراه يسأل: قد دعوت الله .. ثم لم يُستَجب لي .. لماذا؟!

وعن عائشةَ "رضي الله عنها"، قالت: «كانَ لأبي بكرٍ غُلامٌ يُخرجُ له الخَراجَ، فكان أبو بكرٍ يأكلُ من خَراجِه، فجاءَ يوماً بشيء، فأكلَ منه أبو بكرٍ، فقال له الغلامُ: تَدري ما هذا؟ فقال أبو بكرٍ: وما هو؟ قال: كنتُ تكهَّنتُ لإنسانٍ في الجاهليَّةِ، وما أُحسِنُ الكهانَةَ إلا أنِّي خدعتُه، فلقيَني فأعطاني بذلك؛ فهذا الذي أكلتَ منهُ! قالت: فأدخلَ أبو بكرٍ يدَهُ، فقاءَ كلَّ شيءٍ في بطنِه». البخاري.

ومن حقِّ الولدِ على والدِه، أن يؤذِّنَ في أُذُنِه اليُمنى في السَّاعاتِ الأولى من ولادتِه، وأن يحنِّكَهُ بالتَّمرِ، ثم يَعِقُّ عنه في اليومِ السَّابعِ من ولادتِه[[١]]، ويُحسِن تَسميتَه، ويَحلِقُ شعرَ رأسِه.

[١] العقيقة؛ هي الذبيحة التي تُذبح عن المولود؛ فإن كان غلاماً؛ يُذبح عنه شاتان متقاربتان، وإن كان جارية يُذبح عنها شاة ٌواحدة.

عن أبي رافع "رضي الله عنه"، قال: «رأيتُ رسولَ الله "صلى الله عليه وسلم" أذَّن في أُذُنِ الحسَن بن علي، حين ولدتهُ فاطِمةُ بالصَّلاةِ»[[٢]].

[٢] رواه الترمذي، وأبو داود، صحيح سنن أبي داود: ٤٢٥٨.

وعن عائشة "رضي الله عنها"، قالت: «كان رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم" يُؤتَى بالصِّبيانِ فيدعو لهم بالبركة، ويحنِّكُهم»[[٣]].

[٣] أي بالتمر. والحديث: رواه مسلم، وأبو داود، صحيح سنن أبي داود: ٤٢٥٩.

وعن سلمان بن عامر الضبي "رضي الله عنه"، قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": «مع الغلامِ عقيقَتُه؛ فأهريقُوا عنه دماً، وأَميطوا عنه الأذى»[[٤]].

[٤] يكون ذلك بحلق شعر رأسه، ويُسن أن يُتصدق بوزنه فضة.

[٥] رواه البخاري، وأبو داود، وابن ماجه، صحيح الجامع: ٥٨٧٧.

وعن سمرة بن جندب "رضي الله عنه"، أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، قال: «كلُّ غلامٍ رهينةٌ بعقيقتِه، تُذبَحُ عنه يوم سابعِه، ويُحلَقُ، ويُسَمَّى»[[٦]].

[٦] قالوا في تأويل الرهينة : أن الولدَ يُمنع من الشفاعة لأبيه يوم القيامة، ويحتمل أن يكون المراد أوسع من ذلك .. وهذا الحديث من جملة الأدلة الدالة على وجوب العقيقة، والله تعالى أعلم. 

[٧] صحيح سنن أبي داود: ٢٤٦٣.

وعن أمِّ كرزٍ الكعبيَّة "رضي الله عنها"، قالت: سمعتُ رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يقول: «عن الغلامِ شاتان مكافِئتان، وعن الجارية شاة». قال أبو داود: سمعت أحمد، قال: أي مستويتان أو مقاربتان[[٨]].

[٨] صحيح سنن أبي داود: ٢٤٥٨.

وعن سمرة بن جندب "رضي الله عنه" قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": «لا تُسمينَّ غُلامَكَ: يساراً، ولا رَباحاً، ولا نجيحاً، ولا أفلحَ». مسلم.

وعن ابن عمر "رضي الله عنهما": أنَّ ابنةً لعمر كان يُقالُ لها: عاصيَة، فسمَّاها رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم" جميلة[[٩]].

[٩] أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن، صحيح الترغيب: ١٩٨١.

وعن أبي هريرة "رضي الله عنه": أن زينب بنتَ أبي سلَمَة كان اسمُها "بَرَّة"، فقيلَ: تُزكِّي نفسَها، فسمَّاها رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم" "زينَب". متفق عليه. وفي رواية عند مسلم: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": «لا تُزكُّوا أنفسَكُم؛ الله أعلمُ بأهلِ البِرِّ منكم» فقالوا: بِمَ نُسمِّيَها؟ قال: «سمُّوها زينب».

وعن شُريح بن هانئ "رضي الله عنه": أنَّ النبيَّ "صلى الله عليه وسلم" سمِعَ قوماً يُسمون رجلاً منهم عبد الحَجَر، فقال النبي "صلى الله عليه وسلم": «ما اسمُك؟»، قال: عبد الحجر! قال: «لا، أنت عبدُ الله»[[١٠]].

[١٠] صحيح الأدب المفرد: ٦٢٣. أقول: ينبغي أن يُراعى في انتقاء أسماء الأبناء جملة من الأمور: أن لا يفيد الاسم التزكية، وأن لا يدل على معصية أو شرك، وأن يكون جميلاً من حيث دلالته ومعناه .. هذه جملة من الضوابط والشروط لا بد للوالدين من مراعاتها عند انتقاء أسماء أبنائهم.

وعن عائشة "رضي الله عنها": «أن رسولَ الله "صلى الله عليه وسلم" كان يُغيِّرُ الاسمَ القبيحَ»[[١١]].

[١١] أخرجه الترمذي، صحيح الترغيب: ١٩٨٠.

وعن جابر "رضي الله عنه"، قال: وُلد لرجلٍ منا غلامٌ فسمَّاهُ القاسمَ، فقلنا: لا نُكنيكَ أبا القاسم، ولا كرامةَ فأخبرَ النبيَّ "صلى الله عليه وسلم"، فقال: «سمِّ ابنَكَ عبد الرحمن». البخاري.

وعن أبي هريرة "رضي الله عنه"، عن النبيِّ "صلى الله عليه وسلم" قال: «لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي؛ أنا أبو القاسم، والله يُعطي، وأنا أقسِمُ»[[١٣]].

[١٢] حتى لا يتشبه بكنية النبي المصطفى "صلى الله عليه وسلم"؛ فقد أذن النبيُّ "صلى الله عليه وسلم" بأن يُتسمَّى باسمه، ونهى عن أن يُتكنى بكنيته "أبو القاسم".

[١٣] أخرجه البخاري في الأدب المفرد، والترمذي، وابن حبان، وأحمد وغيرهم، السلسلة الصحيحة: ٢٩٤٦.

ومن حقِّه أيضاً على والده، أن يُعلِّمَهُ[[١]] ويُؤدِّبَهُ.

[١] أقصد بتعليمه: التعليم الديني الشرعي؛ قال الله، قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، قال السلف. أما التعليم الدنيوي، فالآباء لا يحتاجون إلى توصية أو تذكير في هذا الجانب..!!

عن سبرة "رضي الله عنه"، قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": «مُروا الصبيَّ بالصلاة إذا بلغَ سبعَ سِنين، وإذا بلَغَ عشرَ سنينَ فاضربُوه عليها»[[٢]].

[٢] صحيح سنن أبي داود: ٥٠٨.

وعن ابن عمر "رضي الله عنهما"،- قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": «مُروا أولادَكُم بالصَّلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سنين، واضربُوهم عليها وهم أبناءُ عشرِ سنين، وفرِّقُوا بينهم في المضاجع»[[٣]].

[٣] أي في النوم والفراش، وهذا يُحمل على الذكور والإناث، فتفصل الإناث عن الإناث في النوم، كما تُفصل الذكور عن الذكور.

[٤] رواه أحمد، وأبو داود، والحاكم، صحيح الجامع: ٥٨٦.

وعن أبي حفص عمر بن أبي سلمة "رضي الله عنه"، قال: كنت غلاماً في حِجرِ رسولِ الله "صلى الله عليه وسلم"، وكانت يدي تَطِيشُ في الصَّحفَةِ؛ فقال لي رسول الله "صلى الله عليه وسلم": «يا غلامُ سَمِّ اللهَ تعالى، وكُلْ بيمينِك، وكُلْ ممَّا يليكَ». فما زالت طِعمَتي بَعْدُ[[٥]]. متفق عليه.

[٥] أي صفة أكلي وتناولي للطعام.

وعن جُندب بن عبد الله "رضي الله عنه"، قال: «كنَّا مع النبيِّ "صلى الله عليه وسلم" ونحنُ فتيانٌ؛ فتعلَّمنا الإيمانَ قبل أن نتعلَّمَ القرآنَ، ثم تعلَّمنا القُرآنَ فازدَدْنا به إيماناً»[[٦]].

[٦] فيه أن أول ما ينبغي على الآباء أن يعلموه أولادهم؛ الإيمان والتوحيد لأهميته وفضله على سائر فروع العلم، ولأن الطفل لو أدركه البلوغ وجُرَّ عليه القلم، وهو لا يعي من أمر التوحيد شيئاً، لا تُقبل منه بقية الطاعات لو أتى بها .. ويُجرى عليه القلم وهو قائم على الشرك!     وفيه كذلك؛ أن الإيمانَ يزداد وينقص؛ يزداد بالطاعات وطلب العلم النافع، وينقص بضد ذلك.

[٧] صحيح سنن ابن ماجه: ٥٢.

وعن ابن عباس "رضي الله عنهما"، قال: كنتُ خلفَ النبي "صلى الله عليه وسلم"، فقال: «يا فتى ألا أهَبُ لك، ألا أُعلِّمُك كلماتٍ ينفعك  الله بهن؟ احفظِ اللهَ يحفظكَ، احفظ اللهَ تجدهُ أمامَك، وإذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعن بالله، واعلم أنَّه قد جَفَّ القلَمُ بما هو كائنٌ، واعلم بأنَّ الخلائِقَ لو أرادوكَ بشيءٍ لم يُرِدكَ اللهُ به لم يقدروا عليه، واعلم أنَّ النصرَ مع الصبِر، وأنَّ الفرَجَ مع الكربِ، وأن مع العُسْرِ يُسراً»[[٨]].

[٨] حِفظُكَ لله؛ يكون بحفظ حدوده وأحكامه، وإتيانك بما أمر، وانتهائك عما نهى وزجر.

[٩] أي أن كل شيء كائن إلى يوم القيامة، قد كتب ودون في اللوح المحفوظ، وأن كل شيء مُنتهٍ ومُسيرٌ وميسَّر لما قد قُدِّر له .. وما قد رُقِم.

[١٠] رواه ابن أبي عاصم في السنة، وصححه الشيخ ناصر في التخريج: ٣١٦.

وعن جابر "رضي الله عنه"، عن النبي "صلى الله عليه وسلم"، قال: «إذا كان جُنْحُ الليلِ فَكُفُّوا صبيانَكُم؛ فإن الشياطينَ تنتشرُ حِينئذٍ، فإذا ذهبت ساعةً من العِشَاء فخلُّوهُم»[[١١]]. متفق عليه.

[١١] أول ساعة من الليل بعد غروب الشمس.

وعنه، قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": «كُفُّوا صبيانَكُم عند العِشَاءِ؛ فإن للجنِّ انتشاراً وخَطَفَةً»[[١٢]].

[١٢] رواه أبو داود، صحيح الجامع: ٤٤٩٢.

وعن أبي سعيد، وابن عباس "رضي الله عنهم"، قالا: قال رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم": «من وُلِدَ لهُ ولدٌ، فليُحسِن اسمه وأدَبَه، فإذا بلغَ فليُزوِّجْه، فإن بلَغَ ولم يزوجْهُ فأصابَ إثماً فإنما إثمُه على أبيه»[[١٣]].

[١٣] رواه البيهقي في شُعَب الإيمان، مشكاة المصابيح: ٣١٣٨. قلت: نعيش زماناً فيه من الآباء من لا يعضلون بناتهم عن الزواج وحسب، بل يعضلون أبناءهم الذكور كذلك ليستثمروهم .. ويستثمروا دخلهم .. أكبر قدر ممكن قبل أن يتزوجوا وقبل أن تكثر عليهم المسؤوليات والنفقات .. ويكون ذلك في الغالِب على حساب دين وأخلاق الشاب ـ وبخاصة في هذا الزمان الذي انتشر فيه الفساد في البر والبحر والجو! ـ وهذا ظلم سيُسأل عنه الآباء .. كما لا طاعة لهم فيه، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ومن حقِّ الأولادِ على أبيهم أن يعدلَ بينَهم في الإنفاق والهِباتِ؛ وأن لا يوصِي لهم عند الممات[[١]].

[١] لأن الشَّرع قد ضمن حق الوارث فلا يُخشى عليه، وإن كانت الوصية ولا بد فتكون لغير الورثة ..  كما أن الوصية للأبناء ـ وبخاصة إن كانت جائرة أو آلت إلى جور ـ تُفضي إلى الفرقة والضغينة والتنافر بين الأخوة والأقارب بعد وفاة المورِّث.

عن النُّعمان بن بشير "رضي الله عنهما"، قال: أنحلَني أبي نُحْلاً[[٢]]، فقالت له أُمي عمرةُ بنت رواحة: أيتِ رسولَ الله "صلى الله عليه وسلم" فأشهِدْه، فأتى النبيَّ "صلى الله عليه وسلم"، فذكرَ ذلك له، فقال: «أكلَّ ولدِك نحلتَ مثلَه؟» قال: لا، قال: «اتَّقوا الله واعدِلوا بين أولادِكم». وفي رواية: «فأرجِعْه». وفي رواية: «هذا جورٌ». وفي رواية مغيرة: «أليسَ يَسرُّكَ أن يكونوا لك في البرِّ واللطفِ سواء؟» قال: نعم، قال: «فأشهِدْ على هذا غيري». وفي رواية مجالد: «إن لهم عليكَ من الحقِّ أن تعدلَ بينهم، كما أن لكَ عليهم من الحقِّ أن يبروكَ»[[٣]]. وفي رواية جابر: قال رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم": «له إخوةٌ؟» قال: نعم! قال: «فكلُّهم أعطيتَ ما أعطيتَهُ؟» قال: لا! قال: «فليس يَصلُحُ هذا، وإنَّي لا أَشهدُ إلا على حقٍّ»[[٤]].

[٢] أي عطية؛ وهي غلام كما في بعض الروايات.

[٣] صحيح سنن أبي داود: ٣٠٢٦.

[٤] رواه مسلم، وأبو داود، صحيح سنن أبي داود: ٣٠٢٩.

وعن النعمان بن بشير "رضي الله عنهما"، قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": «اعدِلُوا بين أولادِكُم، اعدلوا بين أبنائِكم». مسلم.

وعنه "رضي الله عنهما"، قال "صلى الله عليه وسلم": «اعدِلوا بينَ أولادِكُمْ في النُّحَلِ، كما تُحبونَ أن يَعدِلوا بينكم في البرِّ واللُّطفِ»[[٥]].

[٥] أخرجه الطبراني، صحيح الجامع: ١٠٤٦.

وعن أبي أمامة "رضي الله عنه" قال: سمعت رسولَ الله "صلى الله عليه وسلم"، يقول: «إنَّ اللهَ قد أعطى كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّه، فلا وصيَّةَ لوارثٍ»[[٦]].

[٦] صحيح سنن أبي داود: ٢٤٩٤.

وعن أنسٍ "رضي الله عنه"، قال: كان مع رسولِ الله "صلى الله عليه وسلم" رجلٌ، فجاء ابن له فقبَّلَهُ وأجلسَهُ على فَخِذه، ثم جاءت بنتٌ له فأجلَسها إلى جنبه، قال: «فهلاَّ عدَلْتَ بينهما؟!»[[٧]].

[٧] أخرجه الطحاوي في شرح المعاني، وغيره، السلسلة الصحيحة: ٣٠٩٨. وقوله "صلى الله عليه وسلم": «فهلاَّ عدَلْتَ بينهما؟!»؛ أي بين الابن والبنت؛ فأجلست البنت على فخذك الآخر وقبلتها، كما فعلت ذلك بولدك .. فالوالد مطالب بأن يعدل بين أبنائه ـ الذكور والإناث ـ حتى في التقبيل والعطف؛ فلا يفرق أحداً عن الآخر!

عن عائشة "رضي الله عنها"، قالت: قال رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم": «من ابتُلِي من هذه البنات بشيء، فأحسَن إليهنَّ، كُنَّ له سِتراً من النار». متفق عليه.

عن جابر "رضي الله عنه"، عن النبيِّ "صلى الله عليه وسلم"، قال: «من عالَ ثلاثاً من بناتٍ يَكفِيهنَّ، ويرحمُهُنَّ، ويُرفِقُ بهنَّ، فهو في الجنَّة»[[١]].

[١] رواه أحمد وأبو علي، والبزار، سلسلة الأحاديث الصحيحة: ٢٤٩٢.

وعن أنسٍ "رضي الله عنه"، قال: قال رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم": «مَن عالَ جاريتين حتى يُدرِكا، دخَلْتُ أنا وهو الجنَّة كهاتين»، وضمَّ أصابعَه[[٢]].

[٢] أي بنتين، حتى يبلغا سن المحيض.

[٣] رواه مسلم، والترمذي، صحيح الجامع: ٦٣٩١.

وعن ابن عباس "رضي الله عنهما"، عن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: «ما من مُسلمٍ تُدرِكُه بنتان؛ فيُحسِن صُحبتَهُما إلا أدخلتاهُ الجنَّة»[[٤]].

[٤] صحيح الأدب المفرد: ٥٧.

وعنه "رضي الله عنهما"، عن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: «سوُّوا بين أولادكُم في العَطيَّة، فلو كنتُ مُفضلاً أحداً لفضَّلتُ النِّساءَ»[[٥]].

[٥] قال ابن حجر في الفتح ٥/٢٥٣: أخرجه سعيد بن منصور، والبيهقي من طريقه، وإسناده حسن. قلت: والحديث من جملة الأدلة الدالة على وجوب التسوية في العطاء والهبة بين الذكور والإناث؛ بخلاف الإرث: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}.

وعن عقبة بن عامر "رضي الله عنه"، عن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: «لا تكرهوا البنات؛ فإنهنَّ المؤنِسات الغاليات»[[٦]].

[٦] أخرجه أحمد وغيره، السلسلة الصحيحة: ٣٢٠٦. قلت: هذا الترغيب والتعزيز لأهمية الإحسان إلى البنات كان له الدور الأكبر والأساس في نقل المرأة من ثقافة الوأد التي كانت سائدة في الجاهلية إلى ثقافة ومرتبة السيدة الكريمة العزيزة المحبوبة التي يُتقرَّب إلى الله تعالى برعايتها وخدمتها وحبها .. في جميع مراحل وأطوار حياتها .. ومع ذلك فقليل منهنَّ من يشكرن المعروف .. ويعرفن للنبيِّ محمد "صلى الله عليه وسلم" حقَّه وفضله .. وأكثرهن كفرن النعمة والإحسان، حيث تراهن يلهثن وراء ثقافة الطواغيت والثعالب والذئاب في الشرق أو الغرب .. يستجدين حقوهن من جديد .. كمن يجري وراء سرابٍ يحسبه الظمآن ماءً!

ومن حقِّ البنتِ على والدِها، أن يُحسِن اختيارَ الزوج الصالح لها[[١]].

[١] حيث أن كثيراً من الآباء يؤاثرون جانب الثراء والمال على جانب الدين والخلق، ظناً منهم أن في ذلك تكمن مصلحة ابنتهم؛ فتأتي النتائج ـ عكس ما ظنوا ـ على حساب دين ابنتهم، وراحتها، وإسلام ودين ذريتها.

قال تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} البقرة:٢٢١.

عن أبي هريرة "رضي الله عنه"، قال: قال رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم": «إذا أتاكُم مَن تَرضَونَ خُلُقَهُ ودينَهُ فزوِّجوه؛ إلا تفْعَلُوا تَكُنْ فِتنةٌ في الأرضِ وفسَادٌ عريض»[[٢]].

[٢] صحيح سنن ابن ماجه: ١٦٠١. قلت: هذا الفساد العريض ـ والذي منه تفشي ظاهرة العنوسية عند الرجال والنساء سواء ـ  الذي نراه ضارباً في مجتمعات المسلمين .. من أسبابه عدم العمل بمقتضى هذا الحديث النبوي الشريف.

وعن سَهْلٍ "رضي الله عنه"، قال: مرَّ رجلٌ غنيٌّ على رسولِ الله "صلى الله عليه وسلم"، فقال: «ما تقولون في هذا؟» قالوا: حريٌّ إن خَطِبَ أن يُنكَحَ، وإن شفِعَ أن يُشفَعَ، وإن قال أن يُستمعَ، قال: ثم سكتَ، فمرَّ رجلٌ من فقراءِ المسلمين، فقال: «ما تقولون في هذا؟» قالوا: حريٌّ إن خَطِبَ أن لا يُنكَحَ، وإن شَفِع أن لا يُشفَع، وإن قالَ أن لا يُسمَعَ، فقال رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم": «هذا خيرٌ من ملءِ الأرضِ من هذا»[[٣]].

[٣] أي من الأول؛ وهو الغني .. لأن موازين الحق لا تقوم على أساس النظر إلى الجانب المادي وحسب .. وإنما الجانب المعنوي الأخلاقي الإيماني .. له الاعتبار الأكبر في ميزان الإسلام .. والذي على أساسه يُقبل الرجل أو يُرَد. والحديث: متفق عليه.

وعن عمر "رضي الله عنه"، قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": «خيرُ النِّكاحِ أيسَرَه»[[٤]].

[٤] صحيح سنن أبي داود: ١٨٥٩. قلت: ومن اليسر والتيسير عدم غلاء المهور.

وعن عائشة "رضي الله عنها"، قالت: قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": «أَنكِحُوا الأكفَاءَ، وأنكِحُوا إليهم»[[٥]].

[٥] أي من ذوي الدين والخلق، والمروءة.

[٦] سبق تخريج الحديث.

قال رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم": «لا تدعُوا على أنفُسِكُم، ولا تدعُوا على أولادِكُم، ولا تدعوا على أموالِكم، لا تُوافِقوا من اللهِ ساعةً يُسأَلُ فيها عطاءٌ فيستجيبُ لكم». مسلم.

وعن جابر بن عبد الله "رضي الله عنهما"، قال: قال رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم": «لا تَدعُوا على أنفُسِكُم، ولا تدعوا على أولادِكُم، ولا تدعوا على خدَمِكُم، ولا تدعوا على أموالِكُم، لا توافقوا من اللهِ ساعةَ نَيْلَ فيها عطاء فيستجيبَ لكُم»[[١]].

[١] صحيح سنن أبي داود: ١٣٥٦.

ـ من أعظَمِ الكبائر أن يَقتُلَ الوالِدُ ولَدَهُ خَشْيَةَ أن يَطْعَمَ معه[[١]]!

[١] من صور القتل الخفي منع الحمل وإسقاطه خشية الفقر، وبحجة أن مستوى دخل العائلة لا يكفي لمولودٍ جديد .. وما أكثر من يفعل ذلك!

قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} الإسراء:٣١.

عن عبد الله بن مسعود "رضي الله عنه"، قال: قلتُ يا رسولَ الله، أيُّ الذنبِ أعظمُ؟ قال: «أن تجعلَ لله نداً وهو خلقَكَ»، قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: «أن تَقتُلَ ولدَكَ من أجلِ أن يَطعمَ معَكَ»، قُلت: ثم أيٌّ؟ قال: «أن تُزانيَ حليلة جارِكَ». متفق عليه. وفي رواية عنه: قلتُ ثم أيٌّ؟ قال "صلى الله عليه وسلم": «ثم أن تَقْتُلَ ولَدَكَ خشيةَ أن يَطعَمَ معكَ». البخاري. وفي رواية: «ثم أن تقتلَ ولدَكَ تخافُ أن يَطْعمَ معَكَ».

وعن المِقداد بن مَعدي كَرِبٍ "رضي الله عنه" أنه سمع رسولَ الله "صلى الله عليه وسلم" يقول: «ما أطعمتَ ولدَكَ فهو لكَ صدقة ..»[[٢]].

[٢] صحيح الأدب المفرد: ٦٠.

عن عائشة "رضي الله عنها"، قالت: جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ "صلى الله عليه وسلم" فقال: أَتُقبِّلُون الصبيانَ؟ فما نقبِّلُهم! فقال النبي "صلى الله عليه وسلم": «أوَأَملِكُ لك أنْ نَزعَ اللهُ من قلبِكَ الرحمة»[[١]]. متفق عليه.

[١] أي ماذا أملك لك.

وعن أبي هريرة "رضي الله عنه"، قال: قبَّلَ النبيُّ "صلى الله عليه وسلم" الحسنَ بن علي "رضي الله عنهما"، وعندهُ الأقرعُ ابن حابِسٍ، فقال الأقرع: إنَّ لي عشرَةً من الولدِ ما قبَّلتُ منهم أحداً، فنظر إليه رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم" فقال: «من لا يَرحَم لا يُرحَم». متفق عليه.

وعن أنسٍ "رضي الله عنه": «أخذَ النبيُّ "صلى الله عليه وسلم" إبراهيمَ فقبَّلَه وشمَّهُ». البخاري.

وعن عائشة "رضي الله عنها"، قالت: ما رأيتُ أحداً أشبهَ برسولِ الله "صلى الله عليه وسلم" من فاطمة كرَّمَ اللهُ وجهها؛ كانت إذا دخلت عليه قامَ إليها فأخذَ بيدها وقبَّلَها وأجلَسَها في مجلِسه، وكان إذا دخلَ عليها قامت إليه، فأخذت بيده فقبَّلتهُ وأجلَسَتْهُ في مجلِسِها[[٢]].

[٢] صحيح سنن أبي داود: ٤٣٤٧.

وعن البراء "رضي الله عنه"، قال: دخلتُ مع أبي بكر أوَّل ما قدِمَ المدينة، فإذا عائشةُ ابنتُه مُضْجَعَةً قد أصابتْها حُمَّى، فأتاها أبو بكرٍ، فقال لها: كيف أنت يا بُنيَّة؟ وقبَّلَ خدَّها[[٣]].

[٣] صحيح سنن أبي داود: ٤٣٥١.

وعن أبي هريرة "رضي الله عنه"، قال كان رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم"، ليُدلِعُ لِسَانَهُ للحسن بن علي، فيرى الصبيُّ حُمرةَ لِسانِه، فيَبْهَشُ إليه[[٤]].

[٤] أي يُسرع في مدِّ يده إليه.

[٥] السلسلة الصحيحة: ٧٠.

عن أُمِّ خالدٍ بنتِ خالد بن يعيد "رضي الله عنها"، قالت: أتيتُ رسولَ الله "صلى الله عليه وسلم" مع أبي، وعليَّ قميصٌ أصفَرُ، قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": «سنَهْ سَنَهْ» ـ أي حسنةٌ حَسَنةٌ ـ قالت: فذهبتُ ألعَبُ بخاتَمِ النبوَّةِ فزَبَرَني أبي ـ أي زجرني ونهاني ـ قال رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم": «دَعْها». البخاري.

وعن أنسِ ابنِ مالك "رضي الله عنه"، قال: إنْ كان النبيُّ "صلى الله عليه وسلم" ليُخالِطُنا حتى يقولَ لأخٍ لي صغيرٌ: «يا أبا عُمَيْر، ما فعَلَ النُّغَيْرُ»[[٦]]. البخاري.

[٦] يُمازحه، والنُّغير طائر كان يلعب به أبو عُمير!

وعنه قال: «كان ـ أي رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ـ أرحمَ النَّاس بالعيالِ والصِّبيانِ»[[٧]].

[٧] أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي "صلى الله عليه وسلم"، السلسلة الصحيحة: ٢٠٨٩.

وعنه، قال: «كان رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم" يمرُّ بالغُلمانِ فيُسلِّمُ عليهم، ويدعو لهم بالبركة»[[٨]].

[٨] رواه ابن عساكر، السلسلة الصحيحة: ١٢٧٨.

وعن بريدة "رضي الله عنه"، قال: خطبنا رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، فأقبَلَ الحسنُ والحسَينُ عليهما قميصان أحمران، يَعثُران ويَقومان، فنزلَ فأخذَهُما فصعَد بهما، ثم قال: «صدق الله {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}؛ رأيتُ هذين فلم أصبرْ»، ثم أخَذَ في الخُطبةِ[[٩]].

[٩] صحيح سنن أبي داود: ٩٨١.

وعنه، قال: كان النبيُّ "صلى الله عليه وسلم" يخطُبُ فجاءَ الحسن والحُسين "رضي الله عنهما"، وعليهما قميصان أحمران يَعثُران فيهما، فنزلَ النبيُّ "صلى الله عليه وسلم" فقطَعَ كلامَهُ، فحملَهُما، ثمَّ عادَ إلى المنبر، ثم قال: «صدق الله {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}؛ رأيتُ هذينِ يَعثُرانِ في قميصَيْهِما فلم أصبرْ حتَّى قطعتُ كلامي فحمَلتُهُما»[[١٠]].

[١٠] صحيح سنن النسائي: ١٣٤٠. قلت: تأمَّل لو فعل خطيب من خطباء الجمعة في زماننا مع أطفاله ما فعله النبيُّ "صلى الله عليه وسلم" مع الحسن والحسين .. فماذا ترى ردة فعل الناس واعتراضاتهم، وصياحاتهم ..؟!! 

وعن شدَّاد بن الهاد الليثي "رضي الله عنه"، قال: خرجَ علينا رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم" في إحدى صلاتَي العِشاء، وهو حاملٌ حسناً أو حسيناً، فتقدَّم رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم" فوضعَهُ، ثم كبَّرَ للصلاة، فصلَّى، فسجدَ بين ظهراني صلاته سجدةً أطالها، قال أبي: فرفعتُ رأسي، وإذا الصبيُّ على ظهرِ رسولِ الله "صلى الله عليه وسلم" وهو ساجدٌ، فرجعتُ إلى سُجودي، فلما قضى رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم"، قال الناسُ: يا رسولَ الله! إنَّكَ سجدتَ بين ظهراني صلاتِكَ سجدةً أطلتَها! حتى ظننَّا أنه قد حدَث أمرٌ، أو أنه يُوحى إليك، قال: «كلُّ ذلك لم يَكُن؛ ولكنَّ ابني ارتَحَلَني، فكرِهتُ أن أُعَجِّلَهُ حتَّى يَقضِيَ حاجَتَهُ»[[١١]].

[١١] صحيح سنن النسائي: ١٠٩٣. قولهم " حتى ظننَّا أنه قد حدَث أمرٌ"؛ يريدون أنه "صلى الله عليه وسلم" قد قُبِض!

وعن البراء "رضي الله عنه"، قال: رأيتُ النبيَّ "صلى الله عليه وسلم" والحسَنُ ـ صلوات الله عليه ـ على عاتقِه، وهو يقول: «اللهمَّ إنِّي أُحِبُّه فأحِبَّه»[[١٢]].

[١٢] صحيح الأدب المفرد: ٦٣.

وعن يعلى بن مُرَّة "رضي الله عنه"، أنه قال: خرجنا مع النبيِّ "صلى الله عليه وسلم"، ودُعينا إلى طعامٍ فإذا حُسين يلعبُ في الطريق، فأسرَعَ النبيُّ "صلى الله عليه وسلم" أمامَ القوم، ثم بسَطَ يديه؛ فجعلَ الغلامُ يفرُّ هاهُنا وهاهُنا، ويُضاحِكُه النبيُّ "صلى الله عليه وسلم" حتى أخذَه، فجعَلَ إحدى يدَيه في ذقنِه والأُخرى في رأسه، ثم اعتنَقَه، ثمَّ قال النبيُّ "صلى الله عليه وسلم": «حُسينٌ مني وأنا من حُسين، أحبَّ اللهُ من أحبَّ حُسيناً، الحُسَينُ سَبطٌ من الأسباط»[[١٣]].

[١٣] صحيح الأدب المفرد: ٢٧٩. قال الشيخ ناصر ـ رحمه الله ـ في التعليق: "سبط من الأسباط"؛ أي أمة من الأمم في الخير، والأسباط في أولاد إبراهيم "عليه السلام" بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل، واحدهم سبط.

وعن أبي هريرة "رضي الله عنه"، قال: «كنَّا نصلي مع رسولِ الله "صلى الله عليه وسلم" العِشاءَ، فإذا سجدَ وثبَ الحسَنُ والحُسين على ظهرهِ، وإذا رَفَعَ رأسَه أخذَهما بيده من خلفِه أخذاً رفيقاً، فوضعَهُما وضعاً رفيقاً، فإذا عادَ عادا، فلمَّا صلَّى وضعهما على فخِذَيه واحداً ههنا، وواحداً ههنا. قال أبو هريرة "رضي الله عنه": فجِئتُه فقلتُ يا رسولَ الله! ألا أذهب بهما إلى أمِّهما؟ قال: لا، فبَرِقَتْ برقَةً، فقال: الحَقا بأُمِّكُما، فما زالا يمشيان في ضوئها حتى دخلا إلى أُمِّهما»[[١٤]].

[١٤] أخرجه الحاكم وغيره، السلسلة الصحيحة: ٣٣٢٥. قلت: أين كثيرٌ من مسلمي هذا العصر من هذه الأخلاق العظيمة لنبينا صلوات ربي وسلامه عليه في تعاملهم مع الأطفال؛ حيث ما إن يروا طفلاً يمرح قليلاً في المسجد إلا وتراهم يصرخون في وجهه، ويُطالبونه بالخروج من المسجد هو ومن أتى به .. حتى تكاد ترى كثيراً من مساجد المسلمين ـ وبخاصة منها بعض مساجد الأعاجم كالباكستانيين وغيرهم ـ تخلو من وجود الأولاد، والأطفال .. وذلك بسبب شدة وغلظة القائمين عليها في تعاملهم مع الأطفال .. فيُنشَّأ الطفل بعيداً عن محضن وثقافة وقيم المساجد .. ليشب على الإنحراف، وقيم وثقافة الشوارع الفاسدة .. فيحصل المحظور، ويقع الندم ولات حين مندم!

وعن يوسف بن عبد الله بن سَلاَم "رضي الله عنه"، قال: «سمَّاني رسولُ الله "صلى الله عليه وسلم" يوسف، وأقعدَني على حِجْرِه، ومسَحَ على رأسي»[[١٥]].

[١٥] صحيح الأدب المفرد: ٢٨٢.

وعن قُرَّة بنِ إياسٍ "رضي الله عنه": أن رجلاً كان يأتي النبيَّ "صلى الله عليه وسلم" ومعه ابنٌ له، فقال النبيُّ "صلى الله عليه وسلم": «أتُحبُّه؟»، قال: نعم يا رسولَ الله، أحبَّكَ اللهُ كما أُحِبُّه! ففقدهُ النبيُّ "صلى الله عليه وسلم" فقال: «ما فعلَ ابنُ فلان؟»، قالوا: يا رسولَ الله ماتَ! فقال النبيُّ "صلى الله عليه وسلم" لأبيه: «ألا تُحبُّ أن لا تأتيَ باباً من أبوابِ الجنَّة إلا وجدتَهُ ينتَظِرُكَ؟»، فقال رجلٌ: يا رسولَ الله، أله خاصَّةً، أم لكلنا؟ قال: «بل لِكُلِّكُم»[[١٦]].

[١٦] أخرجه أحمد، والنسائي، وابن حبان في صحيحه، صحيح الترغيب: ٢٠٠٧.

وفي رواية للنسائي، قال: كانَ نبيُّ الله "صلى الله عليه وسلم" إذا جلسَ جلسَ إليه نفرٌ من أصحابه، فيهم رجلٌ له ابنٌ صغيرٌ يأتيهُ من خلفِ ظهرِه فيُقعِدُه بين يديه، فهلَكَ، فامتنعَ الرجلُ أن يحضُرَ الحلَقَة لذِكرِ ابنهِ، فحَزِنَ عليه، ففقدَهُ النبيُّ "صلى الله عليه وسلم"، فقال: «ماليَ لا أرى فلاناً؟»، قالوا: يا رسولَ الله! بُنَيُّه الذي رأيتَه هلَكَ، فلقيَهُ النبيُّ "صلى الله عليه وسلم" فسألَه عن بُنَيِّهِ؟ فأخبره أنه هلَكَ، فعزَّاهُ عليه، ثم قال: «يا فلان، أيُّما كانَ أحبُّ إليكَ أن تُمتَّعَ به عُمُرَكَ، أوْ لا تأتي غداً إلى بابٍ من أبوابِ الجنَّة إلا وجدتَهُ قد سبقَكَ إليه يَفتَحهُ لك؟»، قال: يا نبيَّ الله! بل يسبِقُني إلى بابِ الجنَّةِ، فيفتَحُها لي لهو أحبُّ إليَّ. قال: «فذاكَ لك».

نسألُ اللهَ تعالى أن يجعلنا ممن يُنصفون أبناءهم، ويُحسنون تربيتهم، وتأديبهم، وتعليمهم في الصغر .. لينصفونا ويبرونا في الكِبَر .. وليكونوا حسنةً من حسناتنا يومَ القيامة، إنه تعالى سميعٌ قريب مجيب، وصلَّى الله على محمد النبيِّ الأمي، وعلى آله وصحبه وسلَّم.